كانت قوات الدفاع الجوى تعتبر فرعا من سلاح المدفعية , وتحت القيادة العملياتيه للقوات الجوية , وهذا التنظيم معمول به , فى كثير من دول العالم , ولكن , من دروس 1956 , 1967 , وجد أن القوة الجوية الاسرائيلية مركزة فى يد قائد واحد , فمن الاجدى , ان تركز جميع الاسلحة والمعدات المضادة لها , والمكلفة بالتعامل معها وصدها , فى يد قائد واحد , ضمانا للتنسيق , وتوحيدا للمسؤولية , وتحقيقا للنجاح .
وكان القرار بانشاء قوات الدفاع الجوى المصرى , قوت مستقلة قائمة بذاتها , لتصبح القوة الرابعة , ضمن القوات المسلحة المصرية , التى تشمل القوات البرية والبحرية والجوية , وذلك فى اول فبراير 1968 , فى وقت بالغ الصعوبة بالنسبة لهذه القوات , التى كانت تواجه اقوى وأفضل أسلحة العدو الجوية , فيما كانت القوات الجوية المصرية ما زالت فى مرحلة اعادة التنظيم والتسليح , عقب خسائرها فى حرب 1967 .
بقرار انشاء القوة الرابعة , انتهت السلبيات , الناجمة عن التبعية المزدوجة ,. التى لازمت وحدات الدفاع الجوى , فى الحروب السابقة , وانشئت قيادة مستقلة للدفاع الجوى , لكل الوسائل , التى تتعامل مع اسلحة الهجوم الجوى , مع تنظيم التعاون , باسلوب مدقق مع وسائل الدفاع الجوى العضوية فى الافرع الرئيسية الاخرى , عدا المقاتلات , التى ظلت تابعة للقوات الجوية , اكتفاءا بالتنسيق , وفى اثناء تخطيط الاعمال القتالية , والتعاون الوثيق فى اثناء ادارة اعمال القتال .
وبدات مرحلة من العمل الجاد والمكثف , للتطوير الشامل , شملت اعادة تنظيم القيادات والتشكيلات والوحدات , وعناصر التامين القتالى , والهندسى , لتجنب أوجه القصور والعيوب , التى ظهرت فى حرب 1967 , وتشكلت قيادة الدفاع الجوى
وهى تضم رئاسة لوحدات الصواريخ والمدفعية ورئاسة وحدات الرادرا والانزار , ورئاسة دفاع جوى التشكيلات البرية , وغيرها من الرئاسات والشعب , بحيث تتماشى مع باقى أجهزة القيادة العامة والافرع الرئيسية .
بدء بناء المنظومة :
ركزت القيادة السياسية جهودها للحصول على الاسلحة , من الخارج , وخاصة من الاتحاد السوفيتى , ومن بعض الدول الشرقية , مثل يوغسلافيا والمجر , ولكن نتائج هذه الجهود كانت محدودة للغاية , ولا يمكن اعتبار ما حصلنا علية , فى تلك الفترة , اضافة الى امكانيات الدفاع الجوى . من هذا المنطلق , اتجهت الجهود الى تطوير الصواريخ سام – 2 .
وجرى العمل على قدم وساق , لتعديل احدى هذه الكتائب , وبالفعل جرى تعديلها , لتصبح قادرة على الاشتباك مع الطائرات المعادية , على ارتفاعات , اقل من 1 كم , كذلك أدخلت تعديلات , لتقليل المنطقة الميتة المحيطة بالكتيبة , وشمل التطوير الصاروخ نفسه , وذلك بتحسين قدراتة على المناورة حتى يستطيع ملاحقة الطائرات , فى أثناء مناورتها , وتم تزويد كتائب الصورايخ , بأنظمة التعارف , مما زاد من كفاءة التعاون مع المقاتلات .
وفى مجال الحرب الالكترونية , وهو الاخطر والاهم , لم يتوافر أى امكانيات الكترونية , لدى الجانب المصرى , ولم يكن بد من اتخاز اجراءات فنية وقائية للمقاومة .
وكان الهدف الاول من حرمان وسائل الاستطلاع الالكترونى , من الحصول على ما تريده من معلومات , او تضليلها , وذلك بالسيطرة المدروسة على عملية الاشعاع , بالاضافة الى مجموعة اخرى , من الاجراءات الفنية .
كما بدأ تجهيز وحدات الصواريخ , بمعدات فنية مبتكرة , لمقاومة الاعاقة , ونجحت تجربتها , وتم تعميمها فى جميع الوحدات واستمر تطوير الاساليب والتكتيكات , الهادفة الى شل وسائل الحرب الالكترونية للعدو , وكللت بنجاح كبير , ظهر أثره فى اثناء حرب أكتوبر .
وفى مجال تطوير شبكة الاستطلاع والانزار , زودت اجهزة الرادار , بنظام انتخاب الاهداف المتحركة , ورفع الهوائيات على صوار , كما تم انشاء نظاقات , من نقط المراقبة الجوية بالنظر , على حدود الدولة , وفى العمق , وحول الاهداف المدافع عنها , وتجهيزها بما يسمح باكتشاف الاهداف مبكرا , ووصول المعلومات , الى الوحدات من دون تأخير
القوة الرابعة وحتمية الدفاع , من خلال منظومة متكامة :
بدأ التخطيط لبناء منظومة دفاع جوى من منطلق الدور الرئيسى لهذه المنظومة , والذى يتمثل فى توفير الدفاع الجوى , عن القوات , والاهداف الحيوية فى الدولة , ضد هجمات العدو الجوى , لذا ينبغى أن تحقق المنظومة ثلاث أهداف رئيسية هى :
استطلاع العدو الجوى , والانزار عنة , ومنع العدو من استطلاع قواتنا وأهدافنا , ثم توفير الدفاع الجوى عن القوات والاهداف الحيوية.
ولتحقيق هذا , يجب أن تشتمل المنظومة , على عدة عناصر متناسقة متعاونة , تعمل تحت قيادة واحدة , وهى :
أ- نظام القيادة والسيطرة .
ب- نظام الاستطلاع والنزار ويضم : اجهزة رادار أرضية أو محمولة جوا, وأقمار صناعية , وشبكات المراقبة الجوية بالنظر .
ج- نظم القتال الايجابية , وتشمل : المقاتلات , والصواريخ الموجهه , والمدفعية المضادة للطائرات.
د- أنظمة الحرب الالكترونية .
هـ- عناصر التأمين , وتشمل : الأمين الفنى , والهندسى , والكيماوى , والمادى والطبى , والتأمين الخاص .
2- بناء منظومة الدفاع الجوى :
تركزت جهود البناء , فى ثلاثة محاور رئيسية , هى الرجال , السلاح , الميدان , كما يلى :
أ – اعداد الرجال :
ان العنصر البشرى يمثل العامل الرئيسى , فى تحقيق النصر , ومن ثم , فقد أولت القيادة اختيار القادة الاكفاء اهتماما خاصا , واهتمت بانشاء القيادات الصالحة , من الكوادر المؤهلة علميا وعسكريا , وتتمتع بمستوى رفيع من الانضباط.
وفى سبيل تحقيق ذلك , سدت القيادة هذا النقص فى الضباط , بالاستعانة بأعداد كبيرة من المهندسيين , والمعلميين , والمتخصصين , فى مجال الالكترونيات , وتكليفهم بصفة ضباط , للعمل فى وحدات الرادار والصواريخ , واعدادهم بفرق تخصصية , وكذلك تجنيد المؤهلات العليا والمتوسطة من ذوى التخصصات الفنية والهندسية , وتم تدريبهم , طبقا لاساليب زمناهج تدريب متطورة , وهكذا لعب المقاتل دورا هاما , فى بناء القوة الرابعة , سواء كان ضابطا أو جنديا .
ب – اعداد السلاح :
حددت خطة تحرير سيناء حجم الدفاع الجوى , المستهدف تحقيقة . خلال ثلاث سنوات , بتشكيل ثمانى فرق دفاع جوى , كل فرقة تقود وتسيطر على 3-5 ألوية صواريخ ومدفعية مضادة للطائرات ثقيلة وخفيفة , وثمانى كتائب رادار توجيه وانذار , بالاضافة الى شبكة للمراقبة بالنظر , ومواصلاتها , واجهزتها , مع انشاء غرف عمليات لكل فرقة أو لواء منفصل , على أن يرتبط بغرفة عمليات دفاع جوى رئيسية , وأخرى تبادلية .
وقد أوصت الخطة بأن تعتمد قوات الدفاع الجوى , فى قتالها الجوى , على الصواريخ الحديثة المتطورة , المدعمة بأجهزة توجيه الكترونى , وأن يكون معظمها متحركا, وتشغيلها بالوقود الجاف . ومع اعادة تنظيم هذه القوات , وزيادة حجمها , مع تنويع أسلحتها , ومعداتها , كلفت بمسؤوليات وواجبات كبيرة ,لحماية تشكيلات القوات المسلحة , ضد التدخل الجوى المعادى , وحماية الاهداف الحيوية فى الدولة , وأهمها المدن الرئيسية , والقواعد الجوية , والمطارات , وهذا ما أدى الى زيادة حجمها , اكثر من أربعين ضعفا , عما كانت عليه عام 1967 .
1 – مراحل استكمال اسلحة الدفاع الجوى :
مرت مراحل استكمال أسلحة الدفاع الجوى , بمراحل متنوعة , وأهم هذه المراحل هى:
أ – حضور الرئيس عبد الناصر اجتماعات المجلس الاعلى للقوات المسلحة , منذ حرب 1967 , حتى عام 1970 , "" ما كان من الاول لازم مصيبة يعنى يالا بقى ما علينا "" وقد وسع الرئيس المشاركة حتى مستوى قادة الكتائب , خاصة كتائب الصواريخ والاسراب المقاتلة , وكان دائم التشديد , على حتمية العمليات الهجومية , والتركيز على مطالب القوات الجوية والدفاع الجوى , اللتين حظيتا بنصيب كبير , من جهد الرئيس عبد الناصر .
وفى يناير 1970 , وافق الاتحاد السوفيتى , على امداد مصر , بالمعدات الاتية :
ب – 18 كتيبة صواريخ سام –3 , تعمل على ارتفاعات من 25 مترا الى 17 كم , وتشكل هذه الصواريخ , فى كتائب كل كتيبة من 4 – 6 قواذف , وكل قاذف يركب عليه صاروخان .
ج – 20كتيبة صواريخ سام –2 معدلة , ضد التشويش الرادارى , ومؤهلة للاشتباك ضد الطيران المنخفض , حتى 1000 متر .
د – 14 محطة رادار , من ظراز ب –15 , ب –12 , بالاضافة الى 29 محطة لاسلكية متوسطة المدى .
وتركزت الجهود وتوالت , الوصول الى الحجم المناسب من المعدات الحديثة , التى تستطيع مجابهة العدائيات الجوية , من حيث قدراتها على التعامل مع الاهداف , التى تطير على ارتفاعات مختلفة , تحت ظروف الاعاقة الالكترونية بأنواعها المختلفة , وبالفعل انضم الى قوات الدفاع الجوى , خلال هذه الفترة, العديد من الاسلحة المتطورة ,اهمها :
2 – أهم الاسلحة التى انضمت الى قوات الدفاع الجوى خلال هذه الفترة :
أ – صورايخ سام – 3 , ذات الوقود الجاف , والمجهزة , للعمل ضد الاهداف , على ارتفاعات منخفضة , فى ظل الاعاقة الالكترونية .
ب – كتائب سام – 2 المعدلة , للعمل على ارتفاع 100 متر , فى ظل الاعاقة الالكترونية .
ج – الصواريخ الفردية سام – 7 , والتى تطلق من على الكتف , للتعامل مع الطائرات المنخفضة .
د - المدافع عيار 23 مم الرباعية , والموجهة بالرادار , والمحملة على شاسيه جنزير , من طراز شيلكا .
هـ – أجهزة رادار الانزار ب – 15 , ذات القدرة على اكتشاف الاهداف المنخفضة .
ج- اعداد الميدان : التجهيز الهندسى
لما كان التجهيز الهندسى أحد العوامل الرئيسية لنجاح عناصر الدفاع الجوى , فى تحقيق مهامها , وزيادة قدراتها على الصمود , فقد استحوذ اعداد مسرح عمليات الدفاع الجوى , والانشاءات المطلوبة فى الخطة , على جهد خارق وجبار , ويمكن القول ان هذه الاعمال كانت معركة منفصلة , مع السلاح الاسرائيلى .
فقد دار صراع رهيب بين ارادتين : الاسرائيليون يركزون كل مجهودهم الجوى , لتدمير المواقع الجارى انشائها , والقوات المسلحة متمثلة فى وحدات المهندسيين العسكريين , التى تحولت كلها الى وحدات انشاءات مع الشركات المدنية , مصممة على استكمال مواقع الدفاع الجوى المحصنة على جبهة القناة .
وكان , من الواجب , الانتهاء من تجهيز المواقع , خلال شهر واحد بداية من 25 يناير 1970 الى حين وصول الصواريخ ومعداتها , الى الاسكندرية فى 25 فبراير 1970 . واستمرت غارات العدو , بضراوة , على هذه المواقع الجارى اشنائها , وكانت خسائر كبيرة , خاصة فى اعمال الشركات المدنية , ومع استمرار الصراع ونجاح العدو فى تدمير نسبة كبيرة من المنشأت , بدأ التفكير فى البديل .
وتوصل المهندسون الى فكرة المواقع سابقة التجهيز , وهى تنشأ من اجزاء خرسانية سابقة التجهيز , فى العمق , وتنقل الى الجبهة , ويتم تركيبها فى وقت قصير , مما يوفر الحماية الجوية فى اثناء انشاء المواقع كاملة التحصين .
وخلال شهرى يوينه ويوليه 1970 , تم تركيب العديد من المواقع الهيكلية , التى كانت تحاكى المواقع الحقيقية .
وقد أتم المهندسون العسكريون , بناء عدة مئات من مواقع وحدات الصواريخ , وعدد مماثل من المواقع الهيكلية استخدم فى انشائها نحو 12 مليون متر مكعب من اعمال الحفر والردم , ومليون وثلاثة ارباع متر مكعب من الخرسانة المسلحة والعادية , وتم انشاء الاف الملاجىء مسبقة الصنع كما تجاوز أطوال الطرق الداخلية , فى هذه المواقع أربعة ألاف كم , أى مثل المسافة بين القاهرة وطرابلس .
ثانيا : حرب الاستنزاف " يوليه 1996 – أغسطس 1970 "
كانت حرب الاستنزاف هى الحرب الحقيقية الكبرى , التى خاضها الدفاع الجوى المصرى , حيث واجهت هذه القوات , فى أحيان كثيرة , بمفردها , قوة السلاح الجوى الاسرائيلى , وقد استقرت لديها عقيدة الصمود , فسقط منها شهداء كثيرون , وفقدت الكثير من معداتها .
وعلى الجانب الاخر , ألحقت بالسلاح الجوى الاسرائيلى , خشائر كبيرة فى طائراته , وأسقطت العديد منها , فأسقطت الفانتوم أقوى طائرة فى ترسانته , بل ربما فى العالم , فى ذلك التاريخ , وأسقطت كبرى طائراته المجهزة بوسائل الحرب الالكترونية , من طراز ستراتو كروزر STRATO – CRUISER , وكانت ندا قويا , يعمل اه كل حساب .
وتمثل حرب الاستنزاف بداية المسيرة , نحو تحرير الارض , وأرست عددا من المبادىء والاهداف أهمها :
1- الحتفاظ بالجبهة العسكرية ساخنة ومشتعلة , والحصول على الخبرة القتالية .
2- فرض الازعاج الشديد على القوات الاسرائيلية الموجودة شرق القناة , ومنعها من اقامة التحصينات .
3- اقناع اسرائيل بما لا يدع مجال للشك , بانها ستدفع ثمنا باهظا , لبقائها فى الارض المصرية , وذلك بتكبيدها خسائر فى المعدات والارواح , كل يوم , وهذا ما لا تطيقه أو تتحمله اسرائيل .
وقد أفرزت حرب الاستنزاف خبرات واسعة فى مجالات التنظيم والتسليح , ومتطلبات الدفاع الصلب فى مجال الدفاع الجوى , وهذا ما فتح للقيادة المصرية افاقا جديدة ومهمة , فى قضايا التسليح , وأدت دورا حيويا فعالا , وبعد ذلك , عند نشوب حرب أكتوبر 1973 , حيث برزت الاهمية الكبيرة للاسلحة الصاروخية , والتى حققت أروع النتائج وجذبت اهتمام الدوائر العسكرية العالمية , الى الدور الحاسم , الذى يمكن أن تؤديه الاسلحة الصاروخية فى الحروب الحديئة .
المراحل الرئيسية لحرب الاستنزاف بالنسبة للدفاع الجوى : 1969 – اغسطس 1970:
مر الصراع , بين قوات الدفاع الجوى المصرى وبين السلاح الجوى الاسرائيلى بمراحل مختلفة ,. تنوعت فيها أعمال القتال من الجانب الاسرائيلى , بين قصف مركز لمواقع الدفاع الجوى وتدميرها , الى الاغارة على أهداف فى العمق , باستخدام المقاتلات القاذفة , من طراز فانتوم ,أو مهاجمة أهداف فى الجبهة والعمق , عن طريق قوات الابرار المحمولة جوا , بواسطة طائرات الهليكوبتر .
وفى المقابل , استمرت قوات الدفاع الجوى , بما لديها من امكانيات , غير مكتملة , فى التصدى للعدو الجوى , على امتداد أرض مصر .
وقد شجع العدو , على الهجوم على الاهداف الحيوية بالعمق , وصول الدفعة الاولى من طائرات الفانتوم المزودة بأجهزة ملاحية وألكترونية عالية الكفاءة , تمكنها من الاقتراب على ارتفاعات منخفضة جدا , كذلك تم تزويد هذه الطائرات بانزار وحماية , ضد وسائل الدفاع الجوى , بالاضافة الى قدراتها العالية فى الحمولة , من القنابل والصواريخ , ويمكن تقسيم حرب الاستنزاف , من وجهة نظر الدفاع الجوى , الى أربع مراحل رئيسية :
1 - المرحلة الاولى باشتراك القوات الجوية الاسرائيلية فى القتال : 20 يوليه 1969 – أغسطس 1969
أ- فى هذه المرحلة بدأ السلاح الجوى الاسرائيلى قصف القوات البرية , وعناصر الدفاع الجوى على طول خط المواجهة , وبعمق 20 كم , بهدف اعاقة البناء العسكرى .
ب- التركيز على قصف مواقع الرادار ; لفتح ثغرات فى الحقل الرادارى , يمكن الاختراق من خلالها .
ج - التركيز على اضعاف الروح المعنوية للقوات الجوية المصرية , خاصة الطيارين , وذلك بتدبير معارك جوية , واستدراج الطيارين المصريين اليها , واحداث خسائر فى تؤثر على الروح المعنوية .
د – اعاقة التجهيز الهندسى فى مسرح العمليات , لمنع اقامة مواقع الدفاع الجوى المحصنة .
2- المرحلة الثانية ومحاولة اقامة خط دفاع جوى متكامل بالجبهة : سبتمبر 1969 – 6 يناير 1970
ظل الدفاع الجوى يبذل جهودا خارقة , لمواجهة التفوق الاسرائيلى , الذى ظهر جليا , منذ اشتراكه فى معارك الاستنزاف فى 20 يوليه 1969 , وأدت هجماتة الجوية الى اختفاء كتائب الصواريخ من الجبهة , اعتبارا من نوفمبر 1969 , بسبب عنف القصف الجوى , تحت ستر أعمال الاعاقة الرادارية الكثيفة.
وقد حاولت قيادة الدفاع الجوى ادخال بعض كتائب الصواريخ الى الجبهة , خلال شهر ديسمبر , الا ان العدو قام بمهاجمة هذه الكتائب , بضراوة وعنف بتوجيه نحو 180 طلعة طائرة , على مدى ثمانى ساعات , مستخدما كل انواع أسلحة الهجوم الجوى , وتحت ستر غلالة كثيفة من التداخل والشوشرة , وكانت خسائر العدو , خلال هذه المرحلة , اسقاط طائرة واصابة أخرى .
وتم اخلاء منطقة الجبهة نهائيا , من الصواريخ , والاعتماد على عناصر المدفعية المضادة للطائرات والصواريخ الفردية , التى تطلق من على الكتف , الى حين تقويم أعمال القتال ووضع خطط بديلة .
ويمكن اجمال أعمال المرحلتين السابقتين , فى قيام السلاح الجوى الاسرائيلى , اعتبارا من 20 يوليه 1969 , بتنفيذ 3500 طلعة طائرة , لضرب وسائل الدفاع الجوى المصرى , والقوات البرية , واستخدام العدو أحدث طائراتة , وأكفأ طياريه , فى المعارك الجوية مع الطائرات المصرية , اما القوات الجوية المصرية , فقد قامت بجولى 2900 طلعة حماية جوية واشتركت فى 22 معركة جوية , ب 110 طائرات , ضد 130 طائرة اسرائيلية , وكانت الخسائر المصرية 26 طائرة , مقابل 14 طائرة , خسرها السلاح الجوى الاسرائيلى .
3- المرحلة الثالثة وتكثيف غارات العمق : 7 يناير الى 17 ابريل 1970
أ- أهم ملامح هذه الفترة :
استمر التحدى , على رغم الخسائر الجسيمة , التى لحقت بالقوات المصرية , وبدأت اسرائيل حملة كبيرة للاستنزاف المضاد , وذلك بتكثيف الغارات الجوية , على العمق المصرى , وتم التركيز على مهاجمة أهداف , حول القاهرة , والدلتا , وصعيد مصر , واستهدفت هذه الهجمات عناصر الدفاع الجوى , والمستودعات , والمعسكرات .
وأسفرت هذه الغارات عن خسائر محدودة , الا فى غارتى " أبو زعبل " و " مدرسة بحر البقر", حيث استشهد 70 عاملا , فى مصنع أبو زعبل , ونحو 30طفلا , فى مدسة بحر البقر , ولم ينجح القصف المعادى لمواقع أجهزة الرادار فى شل جهاز الانزار .
واصبح جليا , امام القيادة السياسية المصرية , أن القوات المسلحة المصرية لم تكن تملك القدرة , خلال هذه المرحلة , على مواجهة الغارات الجوية الاسرائيلية , فالسلاح الجوى المصرى ما يزال فى مرحلة اعادة البناء , والطائرات المتوفرة لديه , من طراز ميج 17 , وميج 21 , لم تكن بكفاءة طائرات الفانتوم , التى حصلت عليها اسرائيل .
ولم يتوافر لمصر , قاذفات ثقيلة بعيدة المدى , تستطيع تهديد عمق اسرائيل وردعها , اما شبكة الدفاع الجوى , فتتكون من عدد قليل من كتائب الصواريخ ذات امكانيات محدودة , فى التعامل مع الهداف , التى تطير على ارتفاعات منخفضة ومنخفضة جدا , وعاجزة عن مواجهة الطائرات الاسرائيلية , المزودة بأحدث اجهزة الملاحة والاعاقة الالكترونية .
ب – المطالب الرئيسية لقوات الدفاع الجوى , كما حددتها فى ذلك الوقت القيادة السياسية :
طلب الرئيس جمال عبد الناصر وحدات كاملة من صواريخ سام – 3 , بأطقمها ,وأسرابا كاملة من الطائرات ميج 21 , المعدلة بطياريها , وأجهزة رادار متطورة للانزار والتتبع , وتم عرض هذه المطالب على مجلس السوفيت الاعلى , واللجنة المركزية , التى وافقت على مطالب مصر , وهى :
1- امداد مصر بفرقة كاملة , من صواريخ سام - , بافرادها , وأجهزتها , وحملتها , واسلحتها المعاونة , على ان تصل الى الموانىء المصرية , خلال شهر , وان تعمل تحت القيادة المصرية , لاغراض الدفاع الجوى , عن العمق المصرى .
2- امداد مصر بقوة ثلاثة لواءات جوية كالمة , مشكلة من 95 طائرة ميج 21 معدلة بالمحرك الحديث R511 , بالقادة والطيارين , والموجهين , والفنيين السوفيت , وتصل خلال شهر , وتحت القيادة المصرية , للدفاع عن العمق المصرى .
3- توريد 50 محرك ميج 21 معدل طراز r511 , لتركيبها على الطائرات المصرية .
4- توريد أربعة أجهزة رادار ب – 15 , لرفع كفاءة الانذار الجوى , فى شبكة الدفاع الجوى , فى كشف الاهداف المنخفضة .
5- تدريب أطقم مصرية , على الصواريخ سام – 3 , وكذا اعداد مجموعات من الطيارين المصريين , حتى يمكن أن يحلوا محل الاطقم السوفيتية .
6- توريد مجموعة اعاقة وشوشرة واستطلاع رادارى ولا سلكى .
كانت أحداث تلك الفترة بالغة الاهمية والخطورة فعلى صعيد أعمال العدو , وصلت هجماته ذروتها , بمهاجمة أهداف مدنية , فى العمق , بجانب الاهداف العسكرية , أملا فى اضعاف نظام الحكم . ظلت طائراته تعربد فى سماء مصر , بدعم كامل من الولايات المتحدة الامريكية , وأوجز موشى ديان وزير الدفاع الاسرائيلى نوايا اسرائيل عندما صرح بقوله " ان معركتنا سوف نكسبها فوق سماء القاهرة " , تعبيرا عن امله فى أن يصل بالجبهة الداخلية الى مرحلة اليأس , وان يكسب المعركة .
واستطرد قائلا : " علينا ألا نسمح لمصر أن تقيم نظام دفاع جوى بصواريخ سام , غرب القناة , واننا قبلنا التحدى ".
وعلى الجانب المصرى , لم يكن من سبيل أمام القيادة السياسية والعسكرية , الا التصدى والقتال , بما هو متاح من امكانيات , والاصرار على استكمال بناء القوات الجوية وقوات الدفاع الجوى , بما يتلاءم مع امكانيات العدو الجوى .
ولم تبخل الدول العربية " السعدودية , ودول الخليج, وليبيا, والجزائر, والعراق " على دول المواجهة " مصر , وسورية , والارددن , ولبنان " بالمال والسلاح , وقد أصرت على أن يستمر الاتحاد السوفيتى , هو المصدر الرئيسى للسلاح , بالاضافة الى دول الكتلة الشرقية " نفس العقيدة القتالية والتسليح ".
ونجحت مساعى القيادة السياسية , فى ادخال الاتحاد السوفيتى , بدرجة اكبر , فى الصراع , بدخول معداته الدفاعية لحماية العمق المصرى , مما مثل نوعا من الردع لاسرائيل وأمريكا , وفى نفس الوقت دعما كبيرا , لقدرات مصر الدفاعية والمعلوماتية .
4- المرحلة الرابعة وبناء حائط الصواريخ غرب القناة : 18 أبريل 1970 الى اغسطس 1970
نجحت قوات الدفاع الجوى , فى تنفيذ استراتيجية التدرج , فى فرض سيطرتها على المجال الجوى , واستمر تصعيد أعمال القتال , مع زيادة الامكانيات , وبدأت فى فرض سيطرتها , بدءا من العمق المصرى .
وبوصول قوات الدعم الروسية , واتخاذها أوضاع الدفاع عن الاهداف الجوية فى العمق , أوقف السلاح الجوى الاسرائيلى غاراته , على العمق , واقتصر نشاطه على مهاجمة الجيوش الميدانية , ووحدات البحر الاحمر , وقام بتنفيذ المهام التالية :
أ- تدمير المواقع العسكرية المصرية , تدميرا منظما , خاصة مواقع مدفعية الميدان .
ب- الاصرار على منع دخول , أو اقامة أى مواقع للدفاع الجوى , فى منطقة القناة , وذلك بتدمير أى انشاءات هندسية تقام لهذا الغرض , وكذلك استطلاع ومراقبة محاور التحرك , على امتداد الجبهة لتدمير أى معدات او قوات , قبل وصولها الى مواقعها , وكان يوما 14 , 15 أبريل 1970 , بداية مرحلة من القصف العنيف لمواقع الصواريخ الرئيسية والاحتياطية , والهيكلية , ووصل معدل القصف فى هذين اليومين , الى نحو ألف طن يوميا , من قذائف الفانتوم , وبلغ اجمالى المجهود الجوى الاسرائيلى نحو ألف طن يوميا , من قذائف الفانتوم , وبلغ اجمالى المجهود الجوى الاسرائيلى , نحو 4 ألاف طلعة طائرة , خلال أشهر أبريل , ومايو , ويونيه 1970 , وكانت معظم الهجمات تتم من ارتفاعات متوسطة , خارج مرمى أسلحة المدفعية المضادة للطائرات , التى أوكل اليها , مهمه الدفاع عن الجبهة , خلال هذه الفترة .
ج- وبعد توفير الدفاع الجوى عن الاهداف الحيوية بالعمق , اتجهت الجهود لبناء شبكة الدفاع الجوى فى منطقة القناة , لحماية التجميع الرئيسى للجيوش الميدانية , استعدادا لتصعيد العمليات العسكية ضد اسرائيل .
ثالثا : التخطيط لبناء حائط الصواريخ :
كانت المهمة صعبة والمسؤولية عظيمة , وتمت دراسات جادة وتفصيلية , شملت كل المجالات وأهم الموضوعات , التى تشغل القادة , وهى :
1- الحجم الامثل من وحدات الدفاع الجوى , اللازمة للدفاع عن الجبهة , واجراء المواءمة , بين ما هو مطلوب , وما هو متاح .
2- كيفية دفع هذه الوحدات , بحجمها الكبير , لاحتلال مواقعها , وهل يتم هذا دفعة واحدة أم على وثبات .
3- كيفية تحقيق الصمود لهذه الوحدات , ضد هجمات العدو الجوية المنتظرة , وفى أثناء التحرك والاحتلال , كذلك أسلوب الدفاع المباشر عن كتائب الصواريخ .
4- أسلوب التأمين الفنى , والهندسى , والكيماوى , والاشارى .
5- أسلوب القيادة والسيطرة.
6- أسلوب الخداع , والاخفاء , والتمويه , لتحقيق المفاجأة.
7- خطط مشاغلة الطيران الاسرائيلى , وبلبلة قياداتة بالنسبة لنوايانا , وتشتيت مجهوده الجوى , بتغيير اتجاه العمليات هنا وهناك .
رابعا: كمائن صواريخ سام تواجه الفانتوم :
لم يكن بد من عمل فدائى محكم التخطيط والتنفيذ , وأسفرت الدراسات , التى تمت بحضور قادة كتائب الصواريخ , على الاستفادة من خبرة القتال فى حرب فيتنام , وكيف كانت كتائب الصواريخ تواجه الطائرات الامريكية بتنفيذ أسلوب الكمائن , وهذا الاسلوب يعتمد على تطبيق العقيدة القتالية لحرب العصابات فى فيتنام , والتى تقوم على نظرية " اضرب واهرب " , ولكن هل يساعد مسرح عمليات قناة السويس , الخالى من الغابات , ولا يحتوى الا على غطاء نباتى قليل , على تنفيذ هذه النظرية ؟
1- تطور أعمال القتال بين الجانبين وحتمية استخدام أسلوب الكمائن :
بدأت معركة شرسة ضارية , بين الطيران الاسرائيلى , وبين مجموعة من كتائب الصواريخ المدربة تدريبا خاصا , على خفة الحركة والمناورة , وكانت العقبة الرئيسية أمام تنفيذ هذه الكمائن بنجاح , هى حجم وعدد مكونات كتيبة الصواريخ سام 2 , فقد صممت هذه النوعية , للدفاع عن المدن والاهداف الحيوية الثابتة .
وتتكون من مجموهة ضخمة , من الاجهزة , والمقطورات , والهوائيات كبيرة الحجم ثقيلة الوزن, تتصل فيما بينها عن طريق مجموعة كبيرة من الكوابل , ويحتاج فك هذه المعدات وتجهيزها للتحرك ساعات وساعات , ويلى عملية التحرك , تركيب الهوائيات , ونشر المعدات , وفرد الكابلات وتوصيلها , وأخيرا اعادة ضبط وتوليف مئات الدوائر الالكترونية , التى لابد أنها اختلت , فى اثناء التحرك عبر الطرق الوعرة .
والمشكلة لم تكن فى تنفيذ هذه الاجراءات , بل فى التوقيت , اذ كان , من المحتم , أن تتم العملية كلها فى ليلة واحدة , وتحت جنح الليل .
بدأ الكمين الاول بكتيبتين , مدربتين على التعامل مع الاهداف , التى تطير على ارتفاعات نتخفضة ومنخفضة جدا , تحت ستار من الاعاقة الالكترونية الكثيفة , واستمر هذا الاسلوب خلال أشهر مايو ويونيه ويوليه 1970 , وقد خسر الجانب الاسرائيلى , فى هذه الجولة الخاصة من القتال , ست طائرات مقاتلة , وطائرة هليكوبتر .
وتجسد , فى هذه المواجهات , أقصى درجات الصراع والتحدى , بين الدفاع الجوى المصرى , والسلاح الجوى الاسرائيلى , فالمواجهة كانت تتم بين محترفى فى قتال من الطراز الاول , فالعدو يدفع بأحدث ما فى ترسانتة من طائرات , يقودها صفوة الطيارين , وأكثرهم كفاءة وخبرة مدعمين بأحدث ما فى العصر من أجهزة حرب الكترونية , يخطط لطلعاتها بدقة وأحكام , بالاستفادة بمعلومات استطلاع مكتملة من مصادر متنوعة على مستوى اسرائيل وأمريكا .
2- أسباب نجاح أعمال قتال كمائن الصواريخ :
يعتبر القادة والضباط , الذين شاركوا فى هذه الكمائن فى ميدان القتال , هذه الفترة , من تاريخ الدفاع الجوى , الجولة الحاسمة , التى سجلت انتصارا حاسما لرجال الدفاع الجوى المصرى , على السلاح الجوى الاسرائيلى , وسيكتب التاريخ لاحقا , عن هذه الجولة بحروف من النور والفخار , لايام خالدة ومجيدة فى تاريخ مصر والامة العربية كلها . وقد حققت هذه الجولة من القتال , أهدافها المخططة , بل أكثر منها , للاسباب الاتية :
أ- التخطيط الجيد لانتقاء المواقع فى أرض زراعية , تسهل عمليات الاخفاء والتمويه.
ب- التدريب الجيد على المهام الموكلة لهذه الوحدات وخاصة العمل ليلا .
ج- السرية المطلقة , التى أحاطت باعمال قتال هذه الوحدات .
د – اعطاء قادة الكتائب سلطات كاملة للتصرف , واتخاذ القرارات , بما فيها قرار الاستمرار فى تنفيذ المهمة أو الغائها.
هـ- وفوق كل ما سبق , الروح المعنوية العالية وعزيمة الرجال القوية .
وقد تسببت هذه الجولة , فى بث روح الحذر والخوف فى نفوس الطيارين الاسرائيليين , بالاضافة الى خداع السلاح الجوى الاسرائيلى , عن مدى حجم وشكل تجميع الصواريخ , عند تنفيذ خطة احتلال مواقع القتال بجبهة القتال .
خامسا اتمام بناء حائط الصواريخ :
كانت خطة بناء حائط الصواريخ غرب القنة , تقتضى , اما دفع تجميع الصواريخ سام 2 وسام 3 والمدافع 23 مم الرباعية , وأسلحة , ومعدات الدفاع الجوى المكملة للحائط دفعة واحدة الى مواقعها غرب القناة , أو تتخذ أسلوب الزحف البطىء من منفذ شرق القاهرة , الى منطقة غرب القناة.
فضلت القيادة العامة الاسلوب الثانى لاغراض الامان , وتطبيقا لمبدا الحشد , وذلك بانشاء موقع لنطاق صواريخ محصن شرق القاهرة , يحمى نطاقا أخر تحت الانشاء شرقا , تتم حمايتة بواسطة صواريخ النطاق الاول , ثم انشاء نطاق ثالث , تحت مظلة وحماية النطاق الثانى , وهكذا الى أن وصلت النطاقات الىغرب القناة .
واكتمل حجم التجميع من نحو 30 كتيبة صورايخ سام 2 , سام 3 , ومعها المدافع المضادة للطائرات من جميع الاعيرة " 23مم , 37 مم , 57 مم , 100 مم " , وكانت هذه الشبكة تمثل أكبر تجمع دفاع جوى , وكانت على بعد 50 كم غرب القناة , من منطقة وصلة الملاك , على طريق السويس , الى منطقة تبة أم قمر القريبة من طريق مصر – الاسماعيلية . كما أنشئت منطقة دفاع جوى منفصلة من الصواريخ والمدافع 23 مم , فى مدينة بور سعيد , مدعمة بصواريخ سام 6 , المحمولة على ثلاث فرقاطات سوفيتية متمركزة فى الميناء .
وتمت هذه التحركات بسرية وتكتم شديدين , وفى أقل زمن ممكن , ضاربة المقاييس الزمنية فى التحرك والتمركز وضبط وتوليف الترددات , وكانن هذا التخطيط المحكم والتنفيذ الدقيق , سواء من ناحية حجم المواقع , أو توقيتها , أو سرعة أداء الرجال , مفاجأة تكتيكية لطيران العدو , الذى لم يتمكن من اكتشافها ورصدها .
اكتمل البناء مساء يونيه 1970, وأصبح هناك حائط للصواريخ , يقف ثابتا وشامخا جاهزا للتصدى لاى هجمات جوية , مهما كان حجمها , وذلك اعتبارا من أول ضوء يوم 30 يونيه 1970 .
سادسا : الذراع الطويل ترتطم بالحائط :
أدى الالتزام الصارم بتنفيذ خطط الامن والسرية , فى اثناء دخول وحدات الدفاع الجوى الى مواقعها فى صمت , وذلك باجراء التحركات ليلا , مع تقييد الاضاءة , وتنفيذ اجراءات الصمت اللاسلكى والرادارى , الى عدم اكتشاف العدو لدخول الوحدات الى مواقعها .
1- المواجهة بين الذراع الطويل وحائط الصواريخ :
فى صباح 30 يونيه 1970 , قام العدو باستطلاع الجبهة , بطائرتى فانتوم , على ارتفاع عال من خارج مناطق تدمير الصواريخ , ويبدو أن معلومات هذا الاستطلاع , أكدت وجود كتائب الصواريخ بمواقعها .
وجاء أول رد فعل للعدو قبل أخر ضوء من اليوم نفسه , حيث قام بمهاجمة مواقع كتائب الصواريخ , بقوة تقدر بحوالى 24 طائرة , مركزا هجومه على أطراف التشكيل شمالا وجنوبا , وكانت المفاجأة التامة , حيث وجد الطيارون الاسرائيليون أنفسهم يطيرون , وسط غلالة من الصواريخ وقذائف المدفعية , وتم فى هذا الهجوم , اسقاط طائرتين فانتوم , وطائرتين سكاى هوك , وأسر ثلاث طيارين .
وكانت هذه هى المرة الاولى , التى يسقط هذا العدد من الطائرات , دفعة واحدة , ويقع فى الاسر هذا العدد من الطيارين . وظل هذا اليوم خالدا فى تاريخ الدفاع الجوى المصرى , يحتفل به كل عام , وتكبد السلاح الجوى الاسرائيلى خسائر فادحة , لم تكن فى الحسبان , ودفع خلال الايام التالية بمزيد من الطائرات فى محاولة يائسة لاختراق هذا الحائط وتدميرة .
وبالرغم من أن السلاح الجوى الاسرائيلى ألقى فى هذه المعركة , بكل ما لديه من امكانيات قتالية وفنية , سواء بأكثر الطيارين كفاءة , أو باتباع أحدث التكتيكات المضادة للصورايخ , واستخدامه لاحدث أسلحة الهجوم الحديثة , مع تكثيف أعمال الاعاقة الالكترونية , على جميع الاجهزة الرادارية واللاسلكية , بالرغم من هذا , تكبد المزيد من الخسائر , ووقع المزيد من طياريه فى الاسر . وعن الخسائر , التى تكبدها سلاح الجو الاسرائيلى , بواسطة حائط الصواريخ , نشرت مجلة Aviation Week $ Space Technology , فى عددها الصادر , فى 16 نوفمبر 1970 , أن الخسائر بلغت 51 طائرة منها 17 طائرة , تم تدميرها , و34 طائرة , أصيبت .
2- رد الفعل الامريكيى , بعد انهيار الذراع الطويلة لاسرائيل , امام حائط الصواريخ :
تحت تأثير هذه الضربات , سارعت الولايات المتحدة الامريكية , بطلب من اسرائيل الى التقدم بمشروع لوقف اطلاق النار , تمهيدا للبدء فى مفاوضات , تستهدف الحل السلمى للقضية , وكان الهدف الرئيسى غير معلن , وهو هدنة مؤقتة الى حين دعم اسرائيل , واعادة تقويم قدراتها , وتمكينها من استعادة تفوقها الجوى مر اخرى .
وكانت قوات الدفاع الجوى قد بذلت جهدا خارقا , فى تنفيذ الوثبة الاخيرة لحائط الصواريخ , وذلك بتحريك نسق كامل , من كتائب الصواريخ , ليحتل المخطط على حافة الضفة الغربية , وبعمق يراوح بين 2 : 3 كم , محققا سيطرة محكمة لقوات الدفاع الجوى , على منطقة الجبهة وعلى الضفة الشرقية للقناة , وانتهت التحركات , قبل حلول الساعة 100 يوم 8 أغسطس , وهو التوقيت المحدد لوقف اطلاق النار .
وأثارت اسرائيل ضجة كبيرة بتحريك حائط الصواريخ الى قرب الشاطىء الغربى للقناة وهددت بتدميرة , اذا لم يتم اعادتة الى ما كان علية بعيدا عن الضفة الغربية للقناة .
وانتهى البناء لاكبر تجميع لاسلحة , وأجهزة وصورايخ الدفاع الجوى , مركزا فى منطقة السويس , من القنطرة غرب حتى ميناء الادبية جنوب السويس , وبعمق نحو 30 كم غرب القناة , يضم أكثر من 45 كتيبة صواريخ مضادة للطائرات , بالاضافة الى كتائب المدفعية المضادة للطائرات وكتائب مدفع 23 مم , من طراز الشيلكا البراعية ذاتية الحركة , الموجهة راداريا , وكتائب صواريخ سام – 7 , وكتائب رادار وكتائب مراقبة جوية بالظر .
كما أنشئت مجموعات دفاع منفصلة , لمنطقة بورسعيد , ضمت أربع كتائب صواريخ , وعناصر مدفعية , وصواريخ سام 7 , وارتبطت بشبكة الدفاع الجوى فى نظام الانذار والتوجيه , وأضيف الى هذا التجميع الكثيف , أسراب الميج 21 الاعتراضية , مخصصة للدفاع الجوى , وتم التنسيق وتنظيم التعاون بين القوتين على مستوى القيادة العالمة , ونظمت القيادة من مراكز عمليات مشتركة .
سابعا : الدروس المستفادة من حرب الاستنذاف :
تعتبر حرب الاستنذاف أول صراع مسلح يدور فى مسرح الشرق الاوسط , بين قوات شبه متكافئة من حيث التسليح والمعدات , وذلك خلافا لما حدث فى الجولات العربية الاسرائيلية السابقة . ولقد عمقت حرب الاستنزاف صمود الشعب المصرى وقواتة المسلحة , ومنها قوات الدفاع الجوى , حيث خرجت هذه القوات بالكثير من الخبرات القتالية , التى شكلت عقيدتها القتالية , وأتمت صقل خبراتها العملية فى ميدان القتال على النحو التالى :
1- شهدت هذه الحرب صراعا مريرا , بين الطائرة والصاروخ , وضع حدا للتفوق الجوى , الذى انفردت به اسرائيل فى الجولات السابقة .
2- كانت هذه الحرب ضرورة ملحة لمصر وللعرب , حيث كانت المصدر الرئيسى للخبرة المكتسبة للقيادات , وهيئة الاركان , والاجهزة , من أجل تحرير الارض المغتصبة بالقوة .
3- مكنت حرب الاستنزاف القيادة المصرية , من انشاء ودفع حائط الصواريخ حتى الشاطىء الغربى لقناة السويس , وهذا ما شكل حجر الزاوية فى نجاح عملية العبور , يوم 6 أكتوبر 1973 , والذى لولاه , ما استطاع المخطط للعمليات الحربية أن يقود الجولة الخامسة بنجاح .
4- حطمت جدار الخوف , الذى التصق بالعسكرية المصرية , منذ 1948 , بل نجحت حرب الاستنزاف , فى نقل جدار الخوف الى اسرائيل " وصول الجندى المصرى الى خندق الجندى الاسرائيلى وقتله أو أسره " مما دعم صمود المقاتل المصرى فى الميدان , من دون غطاء جوى وتحت ستر الدفاع الجوى فقط .
5- أجبرت حرب الاستنزاف , بما احدثته من خسائر بسلاح الجو الاسرائيلى , على تغيير أسلوب قتالها من الهجوم الى الدفاع , وكما قال الجنرال السرائيلى وايزمان , منتقدا موقف المؤسسة العسكرية الاسرائيلية : ان هذه الحرب سوف تدخل التاريخ , بوصفها الحرب , التى خسرتها اسرائيل .
6- اضطر السلاح الجوى الاسرائيلى , الى دفع كل ما لديه من خطط وأساليب وتكتيكات , وكذا استخدام معظم ما يمتلك من أسلحة هجوم جوى حديثة , ومعدات حرب الكترونية لمواجهة قةات الدفاع الجوى المصرى , وهذا سهل لهذة القوات الوقوف على الامكانيات القتالية الجوية لاسرائيل , والعمل على ايجاد السبل , وتطوير الوسائل المضادة لمجابهتها والتغلب عليها .
7- أتاحت هذه الحرب بما استخدم فيها من قنابل ومقذوفات , ذات قوة تدميرية عالية , لسلاح المهندسين المصرى ,أن يكتسب خبرة كبيرة فى أعمال التجهيز الهندسى , وأن يعيد تصميماتة , بما يتلاءم مع قدرات الجانب الاسرائيلى , التدميرية .
8- تمت اعادة تخطيط الحقل الرادارى , على ضوء دراسة وتحليل أسلوب , وامكانيات العدو الجوى, واتجاهات اقترابه , بما يمكن من ملء الثغرات على الارتفاعات المنخفضة , وتعميق مدى الانذار المبكر .
9- تم تحسين أداء وحدات المراقبة الجوية بالنظر , وذلك بتكثيف تمركزها فى اتجاهات أكثر احتمالا لاقتراب الطائرات الاسرائيلية , مع تزويدها بأجهزة لاسلكية حديثة بالاضافة الى تلسكوبات المراقبة .
10- تطوير كتائب الصواريخ لتحصينها , ضد أعمال العدو الالكترونية , وذلك بالاهتمام بأنظمة مجابهة الاعاقة وتطويرها , بالاضافة الى تزويد هذه الكتائب , بأنظمة تتبع تليفزيونية وبصرية , تكون بديلا فى حالة عجز الرادار عن اكتشاف الهدف .
11- تحسين وتطوير أسلوب الاشتباك , مع الاهداف الجوية , الحاملة لاسلحة الهجوم الجوى الحديثة , خاصة الصواريخ راكبة الشعاع , من طراز شرايك , والصاروخ المافريك , الموجه تلفزيونيا .
12- تدقيق خطط تنظيم التعاون مع المقاتلات , وكذا خطط الحماية المتبادلة , بين كتائب الصواريخ فى حالة هجوم العدو بكثافة , على ارتفاعات منخفضة .
13- الاهتمام بخطط الدفاع الارضى , ضد أى هجمات أرضية محتملة , من جانب العدو .
14- الاهتمام بتوفير الهوائيات الاحتياطية , وكذا قطع الغيار , بهدف استعادة موقف المعدات فى الميدان , فى حالة تعرضها للقذف .
15- الاهتمام بتحسين اداء الوحدات , على خفة الحركة , وسرعة المناورة .
وبنجاح قوات الدفاع الجوى , فى انشاء حائط الصواريخ القوى , وتقدمه شرقا , فى اتجاه القناة , قبل لحظات من وقف اطلاق النار , فى 8 أغسطس 1970 , حدث تحول استراتيجى فى ميزان القوى لصالح القوات المسلحة المصرية , حيث توافر للتجميع الرئيسى للقوات غرب القناة , ولاول مرة غطاء جوى منيع , افتقدتع على مدى الحروب السابقة , وأصبحت فى وضع , يسمح لها بالتخطيط لعمليات هجومية كبيرة لتحرير الارض .
يســتـكـمـل فــتــابـــعـــــــــونــــــــــــــــا